فصل: مقدمة السورة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرطبي المسمى بـ «الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان» **


 سورة ص

 مقدمة السورة

مكية وآياتها 88 نزلت بعد القمر وهي مكية في قول الجميع، وهي ست وثمانون آية‏.‏ وقيل ثمان وثمانون آية‏.‏

 الآية رقم ‏(‏ 1 ‏:‏ 3 ‏)‏

‏{‏ص والقرآن ذي الذكر، بل الذين كفروا في عزة وشقاق، كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص‏}‏

قوله تعالى‏}‏ص‏}‏ قراءة العامة ‏}‏ص‏}‏ بجزم الدال على الوقف؛ لأنه حرف من حروف الهجاء مثل‏}‏الم‏}‏ و‏}‏المر‏}‏‏.‏ وقرأ أبي بن عب والحسن وابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم ‏}‏صاد‏}‏ بكسر الدال بغير تنوين‏.‏ ولقراءته مذهبان‏:‏ أحدهما أنه من صادى يصادي إذا عارض، ومنه ‏}‏فأنت له تصدى‏{‏عبس‏:‏ 6‏]‏ أي تعرض‏.‏ والمصاداة المعارضة، ومنه الصدى وهو ما يعارض الصوت في الأماكن الخالية‏.‏ فالمعنى صاد القرآن بعملك؛ أي عارضه بعملك وقابله به، فاعمل بأوامره، وانته عن نواهيه‏.‏ النحاس‏:‏ وهذا المذهب يروى عن الحسن أنه فسر به قراءته رواية صحيحة‏.‏ وعنه أن المعنى اتله وتعرض لقراءته‏.‏ والمذهب الآخر أن تكون الدال مكسورة لالتقاء الساكنين‏.‏ وقرأ عيسى بن عمر ‏}‏صاد‏}‏ بفتح الدال مثله‏}‏قاف‏}‏ و‏}‏نون‏}‏ بفتح آخرها‏.‏ وله في ذلك ثلاثة مذاهب‏:‏ أحدهن أن يكون بمعنى أتل‏.‏ والثاني أن يكون فتح لالتقاء الساكنين واختار الفتح للإتباع؛ ولأنه أخف الحركات‏.‏ والثالث أن يكون منصوبا على القسم بغير حرف؛ كقولك‏:‏ الله لأفعلن، وقيل‏:‏ نصب على الإغراء‏.‏ وقيل‏:‏ معناه صاد محمد قلوب الخلق واستمالها حتى آمنوا به‏.‏ وقرأ ابن أبي إسحاق أيضا ‏}‏صاد‏}‏ بكسر الدال والتنوين على أن يكون مخفوضا على حذف حرف القسم، وهذا بعيد وإن كان سيبويه قد أجاز مثله‏.‏ ويجوز أن يكون مشبها بما لا يتمكن من الأصوات وغيرها‏.‏ وقرأ هارون الأعور ومحمد بن السميقع‏}‏صاد‏}‏ و‏}‏قاف‏}‏ و‏}‏نون‏}‏ بضم آخرهن‏:‏ لأنه المعروف بالبناء في غالب الحال، نحو منذ وقط وقبل وبعد‏.‏ و‏}‏ص‏}‏ إذا جعلته اسما للسورة لم ينصرف؛ كما أنك إدا سميت مؤنثا بمذكر لا ينصرف وإن قلت حروفه‏.‏ وقال ابن عباس وجابر بن عبدالله وقد سئلا عن ‏}‏ص‏}‏ فقالا‏:‏ لا ندري ما هي‏.‏ وقال عكرمة‏:‏ سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن ‏}‏ص‏}‏ فقال‏}‏ص‏}‏ كان بحرا بمكة وكان عليه عرش الرحمن إذ لا ليل ولا نهار‏.‏ وقال سعيد بن جبير‏}‏ص‏}‏ بحر يحيي الله به الموتى بين النفختين‏.‏ وقال الضحاك‏:‏ معناه صدق الله‏.‏ وعنه أن ‏}‏ص‏}‏ قسم أقسم الله به وهو من أسمائه تعالى‏.‏ وقال السدي، وروي عن ابن عباس‏.‏ وقال محمد بن كعب‏:‏ هو مفتاح أسماء الله تعالى صمد وصانع المصنوعات وصادق الوعد‏.‏ وقال قتادة‏:‏ هو اسم من أسماء الرحمن‏.‏ وعنه أنه اسم من أسماء القرآن‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ هو فاتحة السورة‏.‏ وقيل‏:‏ هو مما استأثر الله تعالى بعلمه وهو معنى القول الأول‏.‏ وقد تقدم جميع هذا في ‏}‏البقرة‏}‏‏.‏

قوله تعالى‏}‏والقرآن‏}‏ خفض بواو القسم والواو بدل من الباء؛ أقسم بالقرآن تنبيها على جلالة قدره؛ فإن فيه بيان كل شيء، وشفاء لما في الصدور، ومعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏}‏ذي الذكر‏}‏ خفض على النعت وعلامة خفضه الياء، وهو اسم معتل والأصل فيه ذوى على فعل‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ ومقاتل معنى ‏}‏ذي الذكر‏}‏ ذي البيان‏.‏ الضحاك‏:‏ ذي الشرف أي من آمن به كان شرفا له في الدارين؛ كما قال تعالى‏}‏لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم‏{‏الأنبياء‏:‏ 10‏]‏ أي شرفكم‏.‏ وأيضا القرآن شريف في نفسه لإعجازه واشتماله على ما لا يشتمل عليه غيره‏.‏ وقيل‏}‏ذي الذكر‏}‏ أي فيه ذكر ما يحتاج إليه من أمر الدين‏.‏ وقيل‏}‏ذي الذكر‏}‏ أي فيه ذكر أسماء الله وتمجيده‏.‏ وقيل‏:‏ أي ذي الموعظة والذكر‏.‏ وجواب القسم محذوف‏.‏ واختلف فيه على أوجه‏:‏ فقيل جواب القسم ‏}‏ص‏}‏؛ لأن معناه حق فهي جواب لقوله‏}‏والقرآن‏}‏ كما تقول‏:‏ حقا والله، نزل والله، وجب والله؛ فيكون الوقف من هذا الوجه على قوله‏}‏والقرآن ذي الذكر‏}‏ حسنا، وعلى ‏}‏في عزة وشقاق‏}‏ تماما‏.‏ قال ابن الأنباري‏.‏ وحكى معناه الثعلبي عن الفراء‏.‏ وقيل‏:‏ الجواب ‏}‏بل الذين كفروا في عزة وشقاق‏}‏ لأن ‏}‏بل‏}‏ نفي لأمر سبق وإثبات لغيره؛ قاله القتبي؛ فكأنه قال‏}‏والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق‏}‏ عن قبول الحق وعداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم‏.‏ أو ‏}‏والقرآن ذي الذكر‏}‏ ما الأمر كما يقولون من أنك ساحر كذاب؛ لأنهم يعرفونك بالصدق والأمانة بل هم في تكبر عن قبول الحق‏.‏ وهو كقوله‏}‏ق والقرآن المجيد‏.‏ بل عجبوا‏{‏ق‏:‏ 2‏]‏‏.‏ وقيل‏:‏ الجواب ‏}‏وكم أهلكنا‏{‏ق‏:‏ 36‏]‏ كأنه قال‏:‏ والقرآن لكم أهلكنا؛ فلما تأخرت ‏}‏كم‏}‏ حذفت اللام منها؛ كقوله تعالى‏}‏والشمس وضحاها‏{‏الشمس‏:‏ 1‏]‏ ثم قال‏}‏قد أفلح‏{‏الشمس‏:‏ 9‏]‏ أي لقد أفلح‏.‏ قال المهدوي‏:‏ وهذا مذهب الفراء‏.‏ ابن الأنباري‏:‏ فمن هذا الوجه لا يتم الوقف على قوله‏}‏في عزة وشقاق‏}‏‏.‏ وقال الأخفش‏:‏ جواب القسم ‏}‏إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب‏}‏ ونحو منه قوله تعالى‏}‏تالله إن كنا لفي ضلال مبين‏{‏الشعراء‏:‏ 97‏]‏ وقوله‏}‏والسماء والطارق‏}‏ إلى قوله ‏}‏إن كل نفس‏{‏الطارق‏:‏ 1 - 4‏]‏‏.‏ ابن الأنباري‏:‏ وهذا قبيح؛ لأن الكلام قد طال فيما بينهما وكثرت الآيات والقصص‏.‏ وقال الكسائي‏:‏ جواب القسم قوله‏}‏إن ذلك لحق تخاصم أهل النار‏{‏ص‏:‏64‏]‏‏.‏ ابن الأنباري‏:‏ وهذا أقبح من الأول؛ لأن الكلام أشد طولا فيما بين القسم وجوابه‏.‏ وقيل الجواب قوله‏}‏إن هذا لرزقنا ما له من نفاد‏{‏ص‏:‏ 54‏]‏‏.‏ وقال قتادة‏:‏ الجواب محذوف تقديره ‏}‏والقرآن ذي الذكر‏}‏ لتبعثن ونحوه‏.‏

قوله تعالى‏}‏بل الذين كفروا في عزة‏}‏ أي تكبر وامتناع من قبول الحق؛ كما قال جل وعز‏}‏وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم‏{‏البقرة‏:‏ 206‏]‏ والعزة عند العرب‏:‏ الغلبة والقهر‏.‏ يقال‏:‏ من عز بز؛ يعني من غلب سلب‏.‏ ومنه‏}‏وعزني في الخطاب‏{‏ص‏:‏ 23‏]‏ أراد غلبني‏.‏ وقال جرير‏:‏

يعز على الطريق بمنكبيه كما ابترك الخليع على القداح

أراد يغلب‏.‏ ‏}‏وشقاق‏}‏ أي في إظهار خلاف ومباينة‏.‏ وهو من الشق كأن هذا في شق وذلك في شق‏.‏ وقد مضى في ‏}‏البقرة‏}‏ مستوفى‏.‏

قوله تعالى‏}‏كم أهلكنا من قبلهم من قرن‏}‏ أي قوم كانوا أمنع من هؤلاء‏.‏ و‏}‏كم‏}‏ لفظة التكثير ‏}‏فنادوا‏}‏ أي بالاستغاثة والتوبة‏.‏ والنداء رفع الصوت؛ ومنه الخبر‏:‏ ‏(‏ألقه على بلال فإنه أندى منك صوتا‏)‏ أي أرفع‏.‏ ‏}‏ولات حين مناص‏}‏ قال الحسن‏:‏ نادوا بالتوبة وليس حين التوبة ولا حين ينفع العمل‏.‏ النحاس‏:‏ وهذا تفسير منه لقوله عز وجل‏}‏ولات حين مناص‏}‏ فأما إسرائيل فروى عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس‏}‏ولات حين مناص‏}‏ قال‏:‏ ليس بحين نزو ولا فرار؛ قال‏:‏ ضبط القوم جميعا قال الكلبي‏:‏ كانوا إذا قاتلوا فاضطروا قال بعضهم لبعض مناص؛ أي عليكم بالفرار والهزيمة، فلما أتاهم العذاب قالوا مناص؛ فقال الله عز وجل‏}‏ولات حين مناص‏}‏ قال القشيري‏:‏ وعلى هذا فالتقدير‏:‏ فنادوا مناص فحذف لدلالة بقية الكلام عليه؛ أي ليس الوقت وقت ما تنادون به‏.‏ وفي هذا نوع تحكم؛ إذ يبعد أن يقال‏:‏ كل من هلك من القرون كانوا يقولون مناص عند الاضطرار‏.‏ وقيل‏:‏ المعنى ‏}‏ولات حين مناص‏}‏ أي لا خلاص وهو نصب بوقوع لا عليه‏.‏ قال القشيري‏:‏ وفيه نظر لأنه لا معنى على هذا للواو في ‏}‏ولات حين مناص‏}‏ وقال الجرجاني‏:‏ أي فنادوا حين لا مناص؛ أي ساعة لا منجى ولا فوت‏.‏ فلما قدم ‏}‏لا‏}‏ وأخر ‏}‏حين‏}‏ اقتضى ذلك الواو، كما يقتضي الحال إذا جعل ابتداء وخبرا؛ مثل قولك‏:‏ جاء زيد راكبا؛ فإذا جعلته مبتدأ وخبر اقتضى الواو مثل جاءني زيد وهو راكب، فحين ظرف لقوله‏:‏ فنادوا‏}‏‏.‏ والمناص بمعنى التأخر والفرار والخلاص؛ أي نادوا لطلب الخلاص في وقت لا يكون لهم فيه خلاص‏.‏ قال الفراء‏:‏

أمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص

يقال‏:‏ ناص عن قرنه ينوص نوصا ومناصا أي فر وزاغ‏.‏ النحاس‏:‏ ويقال‏:‏ ناص ينوص إذا تقدم‏.‏

قلت‏:‏ فعلى هذا يكون من الأضداد، والنوص الحمار الوحشي‏.‏ واستناص أي تأخر؛ قاله الجوهري‏.‏ وتكلم النحويون في ‏}‏ولات حين‏}‏ وفي الوقف عليه، وكثر فيه أبو عبيدة القاسم بن سلام في كتاب القراءات وكل ما جاء به إلا يسيرا مردود‏.‏ فقال سيبويه‏}‏لات‏}‏ مشبهة بليس والاسم فيها مضمر؛ أي ليست أحياننا حين مناص‏.‏ وحكي أن من العرب من يرفع بها فيقول‏:‏ ولات حين مناص‏.‏ وحكي أن الرفع قليل ويكون الخبر محذوفا كما كان الاسم محذوفا في النصب؛ أي ولات حين مناص لنا‏.‏ والوقف عليها عند سيبويه والفراء ‏}‏ولات‏}‏ بالتاء ثم تبتدئ ‏}‏حين مناص‏}‏ هو قول ابن كيسان والزجاج‏.‏ قال أبو الحسن بن كيسان‏:‏ والقول كما قال سيبويه؛ لأن شبهها بليس فكما يقال ليست يقال لات‏.‏ والوقوف عليها عتد الكسائي بالهاء ولاه‏.‏ وهو قول المبرد محمد بن يزيد‏.‏ وحكى عنه علي بن سليمان أن الحجة في ذلك أنها دخلت عليها الهاء لتأنيث الكلمة، كما يقال ثُمه ورُبه‏.‏ وقال القشيري‏:‏ وقد يقال ثُمت بعني ثُم، وربت بمعنى رب؛ فكأنهم زادوا في لا هاء فقالوا لاه، كما قالوا في ثمه عند الوصل صارت تاء‏.‏ وقال الثعلبي‏:‏ وقال أهل اللغة‏:‏ و‏}‏لات حين‏}‏ مفتوحتان كأنهما كلمة واحدة، وإنما هي ‏}‏لا‏}‏ زيدت فيها التاء نحو رب وربت، وثم وثمت‏.‏ قال أبو زبيد الطائي‏:‏

طلبوا صلحنا ولات أوان فأجبنا أن ليس حين بقاء

وقال آخر‏:‏

تذكر حب ليلى لات حينا وأمسى الشيب قد قطع القرينا

ومن العرب من يخفض بها؛ وأنشد الفراء‏:‏

فلتعرفن خلائقا مشمولة ولتندمن ولات ساعة مندم

وكان الكسائي والفراء والخليل وسيبويه والأخفش يذهبون إلى أن ‏}‏ولات حين‏}‏ التاء منقطعة من حين، ويقولون معناها وليست‏.‏ وكذلك هو في المصاحف الجدد والعتق بقطع التاء من حين‏.‏ وإلى هذا كان يذهب أبو عبيدة معمر بن المثنى‏.‏ وقال أبو عبيد القاسم بن سلام‏:‏ الوقف عندي على هذا الحرف ‏}‏ولا‏}‏ والابتداء ‏}‏تحين مناص‏}‏ فتكون التاء مع حين‏.‏ وقال بعضهم‏}‏لات‏}‏ ثم يبتدئ فيقول‏}‏حين مناص‏}‏‏.‏ قال المهدوي‏:‏ وذكر أبو عبيد أن التاء في المصحف متصلة بحين وهو غلط عند النحويين، وهو خلاف قول المفسرين‏.‏ ومن حجة أبي عبيد أن قال‏:‏ إنا لم نجد العرب تزيد هذه التاء إلا في حين وأوان والآن؛ وأنشد لأبي وجزة السعدي‏:‏

العاطفون تحين ما من عاطف والمطعمون زمان ابن المطعم

وأنشد لأبي زبيد الطائي‏:‏

طلبوا صلحنا ولا تأوان فأجبنا أن ليس حين بقاء

فأدخل التاء في أوان‏.‏ قال أبو عبيد‏:‏ ومن إدخالهم التاء في الآن، حديث ابن عمر وسأله رجل عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، فذكر مناقبه ثم قال‏:‏ اذهب بها تلان معك‏.‏ وكذلك قول الشاعر‏:‏

نولي قبل نأي داري جمانا وصلينا كما زعمت تلانا

فال أبو عبيد‏:‏ ثم مع هذا كله إني تعمدت النظر في الذي يقال له الإمام - مصحف عثمان - فوجدت التاء متصلة مع حين قد كتبت تحين‏.‏ قال أبو جعفر النحاس‏:‏ أما البيت الأول الذي أنشده لأبي وجزة فرواه العلماء باللغة على أربعة أوجه، كلها على خلاف ما أنشده؛ وفي أحدها تقديران؛ رواه أبو العباس محمد بن يزيد‏:‏

العاطفون ولات ما من عاطف

والرواية الثانية‏:‏

العاطفون ولات حين تعاطف

والرواية الثالثة رواها ابن كيسان‏:‏

العاطفونةَ حين ما من عاطف

جعلها هاء في الوقف وتاء في الإدراج، وزعم أنها لبيان الحركة شبهت بهاء التأنيث‏.‏ الرواية الرابعة‏:‏

العاطفونهُ حين ما من عاطف

وفي هذه الرواية تقديران؛ أحدهما وهو مذهب إسماعيل بن إسحاق أن الهاء في موضع نصب؛ كما تقول‏:‏ الضاربون زيدا فإذا كنيت قلت الضاربوه‏.‏ وأجاز سيبويه في الشعر الضاربونه، فجاء إسماعيل بالتأنيث على مذهب سيبويه في إجازته مثله‏.‏ والتقدير الآخر العاطفون على أن الهاء لبيان الحركة، كما تقول‏:‏ مر بنا المسلمونه في الوقف، ثم أجريت في الوصل مجراها في الوقف؛ كما قرأ أهل المدينة‏}‏ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه‏{‏الحاقة‏:‏29‏]‏ وأما البيت الثاني فلا حجة له فيه؛ لأنه يوقف عليه‏:‏ ولات أوان، غير أن فيه شيئا مشكلا؛ لأنه يروى‏:‏ ولات أوان بالخفض، وإنما يقع ما بعد لات مرفوعا أو منصوبا‏.‏ وإن كان قد روي عن عيسى بن عمر أنه قرأ ‏}‏ولات حين مناص‏}‏ بكسر التاء من لات والنون من حين فإن الثبت عنه أنه قرأ ‏}‏ولات حين مناص‏}‏ فبنى ‏}‏لات‏}‏ على الكسر ونصب ‏}‏حين‏}‏‏.‏ فأما‏:‏ ولات أوان ففيه تقديران؛ قال الأخفش‏:‏ فيه مضمر أي ولات حين أوان‏.‏ قال النحاس‏:‏ وهذا القول بين الخطأ‏.‏ والتقدير الآخر عن أبي إسحاق قال‏:‏ تقديره ولات أواننا فحذف، المضاف إليه فوجب ألا يعرب، وكسره لالتقاء الساكنين‏.‏ وأنشده محمد بن يزيد ولات أوان بالرفع‏.‏ وأما البيت الثالث فبيت مولد لا يعرف قائله ولا تصح به حجة‏.‏ على أن محمد بن يزيد رواه‏:‏ كما زعمت الآن‏.‏ وقال غيره‏:‏ المعنى كما زعمت أنت الآن‏.‏ فأسقط الهمزة من أنت والنون‏.‏ وأما احتجاجه بحديث ابن عمر، لما ذكر للرجل مناقب عثمان فقال له‏:‏ اذهب بها تلان إلى أصحابك فلا حجة، فيه؛ لأن المحدث إنما يروي هذا على المعنى‏.‏ والدليل على هذا أن مجاهدا يروي عن ابن عمر هذا الحديث وقال فيه‏:‏ اذهب فاجهد جهدك‏.‏ ورواه آخر‏:‏ اذهب بها الآن معك‏.‏ وأما احتجاجه بأنه وجدها في الإمام ‏}‏تحين‏}‏‏.‏ فلا حجة فيه؛ لأن معنى الإمام أنه إمام المصاحف فإن كان مخالفا لها فليس بإمام لها، وفي المصاحف كلها ‏}‏ولات‏}‏ فلو لم يكن في هذا إلا هذا الاحتجاج لكان مقنعا‏.‏ وجمع مناص مناوص‏.‏